عنوان المحاضرة: تحريف التاريخ ومظلومية الإمام السجاد عليه السلام
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام 1447هـ
الخطيب: الملا حسن الصالح
التاريخ: 25 محرم 1447هـ
الموافق: الأحد 20 يوليو 2025م
مع الأسف، أيها الأحبة، فإن التاريخ الإسلامي قد كُتب في أغلبه بأيادٍ غير نزيهة، بأقلام أعداء أهل البيت عليهم السلام. فالتاريخ لم يكتفِ بتهميش فضائل هذا البيت العلوي المبارك، بل تعدى ذلك إلى سرقة مناقبهم ونسبتها إلى خصومهم وأعدائهم، ولهذا وجب على القارئ أن يكون دقيقًا فطِنًا، كمن يُعطى عملة مشبوهة فيتأملها ويتفحصها ليتبيّن هل هي أصيلة أم مزوّرة.
سأعرض ثلاث روايات تاريخية من سيرة إمامنا السجاد عليه السلام، كما وردت في كتب بعض المؤرخين، وسأقرأها بنصها، ثم أعلّق عليها:
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام 1447هـ
الخطيب: الملا حسن الصالح
التاريخ: 25 محرم 1447هـ
الموافق: الأحد 20 يوليو 2025م
مع الأسف، أيها الأحبة، فإن التاريخ الإسلامي قد كُتب في أغلبه بأيادٍ غير نزيهة، بأقلام أعداء أهل البيت عليهم السلام. فالتاريخ لم يكتفِ بتهميش فضائل هذا البيت العلوي المبارك، بل تعدى ذلك إلى سرقة مناقبهم ونسبتها إلى خصومهم وأعدائهم، ولهذا وجب على القارئ أن يكون دقيقًا فطِنًا، كمن يُعطى عملة مشبوهة فيتأملها ويتفحصها ليتبيّن هل هي أصيلة أم مزوّرة.
سأعرض ثلاث روايات تاريخية من سيرة إمامنا السجاد عليه السلام، كما وردت في كتب بعض المؤرخين، وسأقرأها بنصها، ثم أعلّق عليها:
- الحادثة الأولى: رواية ابن سعد في “الطبقات الكبرى”:
نقل ابن سعد في الجزء الخامس من كتابه (الطبقات الكبرى) صفحة 215:
عن عبد الله بن علي بن حسين قال: لما قتل الحسين قال مروان لأبي: إن أباك كان سألني أربعة آلاف دينار فلم تكن حاضرة عندي وهي اليوم عندي مستيسرة فإن أردتها فخذها.
فأخذها أبي فلم يكلمه أحد من بني مروان فيها حتى قام هشام بن عبد الملك فقال لأبي: ما فعل حقنا قبلكم.
قال: موفر مشكور.
قال: هو لك.
الرد على هذه الرواية:
ظاهريًا، قد لا يظهر في الرواية ما يسيء، لكن حين نتأملها نجد أنها تحاول أن تخلق صورة من التفضل المرواني على الإمام، وكأن الإمام السجاد عليه السلام كان يستجدي المال منهم! وهذا مخالف تمامًا لما نعرفه عن جودهم وكرمهم عليهم السلام، وقد ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية أنه كان يعيل مائة منزل: قال محمد بن إسحاق: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن يعطيهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به. ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل. وقيل إنه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات.وكان ذلك في وقتٍ قال فيه الإمام السجاد: “علي بن الحسين عليه السلام يقول: ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبنا”. ومع ذلك كان يُنفق على الفقراء، ولم يعرف أنه هو المتكفل إلا بعد وفاته.بل نجد أن الإمام عليه السلام دفع دين محمد بن أسامة بن زيد، وكان غير موالٍ لأهل البيت، والذي بلغ 15,000 درهم، رغم أنه لم يكن من أتباعه، جاء عن عمرو بن دينار قال: حضرت زيد بن أسامة بن زيد الوفاة، فجعل يبكي، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: ما يبكيك؟
قال: يبكيني أن علي خمسة عشر ألف دينارا، ولم أترك لها وفاء.
فقال له علي بن الحسين عليه السلام: لا تبك فهي علي، وأنت برئ منها.
فقضاها عنه.
وكذلك يُنقل أن الكميت الشاعر، لما أنشد أبياتًا في مدح أهل البيت عليهم السلام، أهداه الإمام مبلغ 400,000 درهم لإنشاده تلك الأبيات.
كما أن الإمام تكفّل بسداد دين هشام بن إسماعيل، الذي كان يُكثر من السب والشتم للإمام السجاد عليه السلام، إلى أن أتهم بالسرقة وعُزل من منصبه وتم ربطه في السوق للقصاص منه، فتكفل الإمام بسداد دينه ودرأ عنه الانتقام.
ويذكر أن الفرزدق في قصيدته المعروفة “هذا الذي تعرف البطحاء وطأته”، وقد سجن من أجلها فأهداه الإمام مبلغ 11,000 درهم.
عند النظر إلى تلك الأموال التي أنفقها الإمام عليه السلام، نجد أن الناس كانت تأتي وتطرق أبوابهم:
أطوف ببابكم في كل حين كأن ببابكم جعل الطواف
فما ذكره ابن سعد في الرواية من أخذ الإمام المال من مروان، ثم رجوع هشام بعد 11 سنة من وفاة الإمام ليس له وجه عقلًا ولا تاريخًا، لأن هشام لم يتول الخلافة إلا بعد وفاة الإمام بسنوات، ولهذا فإن الرواية باطلة سندًا ومضمونًا. - الحادثة الثانية: رواية ابن كثير في “البداية والنهاية”:
نقل ابن كثير في الجزء الثامن صفحة 282 من كتاب البداية والنهاية، عن المدائني عن إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد: أن مروان كان أسلف علي بن الحسين حتى يرجع إلى المدينة بعد مقتل أبيه الحسين ستة آلاف دينار، فلما حضرته الوفاء أوصى إلى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من علي بن الحسين شيئا، فبعث إليه عبد الملك بذلك فامتنع من قبولها، فألح عليه فقبلها.
الرد على هذه الرواية:
- يثبت المحققون أن مروان لم يغادر المدينة إطلاقا إلا بعدما هجم عبد الله بن الزبير على المدينة، فكيف التقى بالإمام السجاد في الشام؟
- مروان مات مختنقًا بوسادة على يد زوجته، كما ذكر ابن الأثير في “الكامل” وابن كثير في “البداية والنهاية”، فمتى أوصى وصيته؟!
- بعد كربلاء، أمر يزيد بن معاوية النعمان بن بشير بإرجاع أهل البيت عليهم السلام إلى المدينة مع التكفل بجميع التكاليف، فكيف يكون الإمام محتاجًا إلى مال يرجعه للمدينة؟
- الحادثة الثالثة: أيضًا في “البداية والنهاية”:
في الجزء التاسع، صفحة 122 من كتاب البداية والنهاية، عن الأصمعي: لم يكن للحسين عقب إلا من علي بن الحسين، ولم يكن لعلي بن الحسين نسل إلا من ابن عمه الحسن، فقال له مروان بن الحكم: لو اتخذت السراري يكثر أولادك.
فقال: ليس لي ما أتسرى به.
فأقرضه مائة ألف فاشترى له السراري فولدت له وكثر نسله.الرد على هذه الرواية:
الأصمعي معروف بشدة نصبه وعدائه لأهل البيت عليهم السلام، وقد نفى أبو العيناء التشيع عن نفسه حين قال له المتوكل: بلغني أنك رافضي. بقوله: كيف أكون رافضيا وبلدي البصرة ومنشأي مسجد جامعها وأستاذي الأصمعي!!الإمام السجاد عليه السلام له عدد كبير من الأولاد، فقد اختلف المؤرخون في عددهم بين 8 و15 ولدًا.أولاده من السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام هم: الإمام الباقر عليه السلام، عبد الله الباهر، الحسين، والحسين الأكبر.وعنده من الأولاد من “أم ولد” التي أهداها المختار إلى الإمام السجاد عليه السلام: عبد الرحمن، محمد الأصغر، عمر، الحسن، زيد الشهيد، سليمان (توفي صغيرًا)، والحسين الأصغر، علي، عمران، خديجة، فاطمة، وأم كلثوم.
فهل يحتاج من عنده 15 ولدًا إلى 100,000 دينار ليكثر نسله؟!
الخاتمة والبيان:
بعد سرد هذه الروايات الثلاث، نجد أن الغرض منها ثلاث أمور:
بعد سرد هذه الروايات الثلاث، نجد أن الغرض منها ثلاث أمور:
- اختلاق حالة “تكافؤ” وهمي في الفضل بين بني هاشم وبني مروان، والتقليل من مظلومية أهل البيت عليهم السلام. وهذا تزييف فاضح.
- هذا النوع من الروايات هي محاولة لتصوير علاقة حميمية بين بني هاشم وبني مروان لأهداف سياسية، طمسًا للصراع الحقيقي.





متابعة القراءة...