ذكرى وصول الركب الحسيني للشام 1447هـ | الملا عباس البربوري

SH3A3-Q

ابو الميرزا
طاقم الإدارة
إنضم
14 نوفمبر 2007
المشاركات
48,640
النقاط
113
العمر
49
الإقامة
QATIF-القطيف
عنوان المحاضرة: من الإجزاء إلى القبول، سر الخشوع في الصلاة
المناسبة: ذكرى وصول الركب الحسيني للشام 1447هـ
الخطيب: الملا عباس البربوري
التاريخ: 1 صفر 1447هـ
الموافق: السبت 26 يوليو 2025م

قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} آية 1 – 2 – سورة المؤمنون

حين نعود إلى الآيات القرآنية الشريفة، نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى صنف المصلين إلى صنفين:

  1. صنفٌ من المصلين مبشرون بالجنة ونعيمها.​
  2. وصنفٌ آخر موعودون بالويل والجحيم.​

في الآيات التي ذكرناها، وصفٌ للصنف الأول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} آية 1 – 2 – سورة المؤمنون، فالذي يؤدي الصلاة بتمامها وكمالها، وبحقيقتها وغايتها، يكون قد اجتاز الاختبار ونجح، وهو من المفلحين. لذلك فصلاته مقبولة، وأنه من أهل الجنة.

أما الصنف الثاني، فقد قال الله تعالى فيهم: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} آية 4 – 5 – سورة الماعون، و “الويل” هو اسم وادٍ من أودية جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها.

إذًا، رغم أن كلا الفريقين يُصلون، لكن لماذا هذا إلى الجنة وذاك إلى الجحيم؟

نجد الجواب في رواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام، وهي مؤثرة، بل ومخيفة في معناها، فقد ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام، لما سقط رِداؤه عن أحد منكبيه ولم يُسوِه فسئل عن ذلك، فقال: “ويحك أتدرِي بين يدي من كنت؟! إن العبد لا يُقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه مِنها بقلبه”.

يعني أن الإمام عليه السلام يعلمنا أن الصلاة مشروطة، ونجد في حياتنا المادية: أن شخصًا لو طلب من مهندس أن يصمم له بيتًا بشروط محددة، فأتى المهندس بخريطة خلاف الشروط المحددة، هل له أجر؟ كلا، لأنه خالف الشرط، كذلك الصلاة، مفروضة بشروطها، والعلماء صنفوها إلى مرتبتين:

  1. مرتبة الإجزاء: وهي أداء الصلاة المفروضة إبراءً للذمة، لوجوب الصلاة.​
  2. مرتبة القبول: وهي أن تُؤدى الصلاة بشروطها، بخشوع وخضوع وتذلل لله سبحانه وتعالى.​

فإن أديت الصلاة بشروطها، ارتقيت إلى مرتبة القبول. وإن لم تؤدها بشروطها، بقيت على مرتبة الإجزاء فقط، أي برئت ذمتك، لكن لم يُكتب لك القبول.

هنا يأتي السؤال: فكيف نُحقق الخشوع؟

قال علماء الأخلاق والعرفان: هناك عدة خطوات للصعود بالصلاة إلى مرتبة القبول، وهو غاية كل إنسان، لأن الصلاة عمود الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن رُدت رد ما سواها، والمؤمن لا يريد ان تكون صلاته هباءً منثورا، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} آية 23 – سورة الفرقان، ومن أجل ان نرتقي بالصلاة من درة الإجزاء إلى مرتبة القبول، نأتي بذكر بعض هذه الخطوات:

  1. أن تصلي صلاة مودع لا ترتجي أن تصلي صلاة بعدها، أي أن تصل وكأنها آخر صلاة لك في هذه الحياة، كالمجاهد الذي يكتب وصيته ويودع أحبابه لأنه ذاهب ولا يعود، أما من يعتقد أن يصلي، وأنه سيدك صلاة الظهرين ومن بعدها صلاة العشائين، فلن يستشعر الخشوع ذاته، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”.​
  2. استشعار الوقوف بين يدي الله عز وجل، بين يدي الجبار العظيم الملك القدوس، حين يقف المصلي، وهو على علم بأن الناظر إليه هو ملك الملوك الله جل وعلا، هذه المعرفة تقيد صلاتي وتلبسها ثوب الخشوع والخضوع، ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، عن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله: “إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه، أو قال: أقبل الله عليه حتى ينصرف، وأظلته الرحمة من فوق رأسه إلى أفق السماء، والملائكة تحفه من حوله إلى أفق السماء، ووكل الله به ملكا قائما على رأسه يقول له: أيها المصلي لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما التفت ولا زلت من موضعك أبدا”، ونجد مصداقًا لذلك في حياتنا اليومية ذلك العامل الذي إذا قيل له أن صاحب العمل سيأتي لينظر في ما تصنع، حينها سيقوم العامل بإتقان عمله خلافًا للعادة ويؤديه بكل دقة وتركيز، فنجد أن أهل البيت عليهم السلام يتلذذون في العبادة، ولا يريدون لها أن تنتهي، فنقرأ في المناجاة: “إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلًا”.​
  3. صرف القلب والجوارح عن الموانع، فكيف يتحقق ذلك؟ الصلاة لها هيكل وجوهر، هيكل الصلاة كالركوع والسجود والقيام، وجوهرها هو: الخشوع إلى الله سبحانه وتعالى، ومن الممكن للمصلي أن يضبط الحركات، فإن كانت الجوارح كالعيون مشغولة بالزخارف من حولها، أو العقل مشغول بأمور الدنيا، فهو هنا منشغل قلبه بهذه الموانع عن الصلاة، فلا يتحقق الخضوع والخشوع، وقد عبر العلماء عن ذلك بـ”طائر الخيال” إذ يبدأ مع أول التكبير بالتحليق بمخيلته وأفكاره بما يشغله في الدنيا عن صلاته، ولضبط “طائر الخيال” لا بد من تهيئة الذهن قبل الصلاة، كما يتهيأ اللاعب قبل دخول الملعب، ورد أن الشهيد الصدر الثاني كان يجلس في المصلى قرابة النصف ساعة أو الساعة قبل الصلاة، صامتًا، بغرض تصفية ذهنه من شواغل الدنيا.​
  4. التزين والتعطر للصلاة، ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب”، فكما تتزين للقاء وزير أو مسؤول، فالله أولى بذلك، فالتعطر والتزين يُيئان الروح للخشوع.​
مناجاة المحبين

مناجاة المحبين هي مناجات للإمام زين العابدين عليه السلام ذكرها الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان:

إلهي مَن ذا الَّذي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرامَ مِنكَ بَدَلاً وَمَن ذا الَّذي أنِسَ بِقُربِكَ فَابتَغى عَنكَ حِوَلاً، إلهي فَاجعَلنا مِمَّنِ اصطفَيتَهُ لِقُربِكَ وَوِلايَتِكَ وَأخلَصتَهُ لِوُدِّكَ وَمَحَبَّتِكَ وَشَوَّقتَهُ إلى لِقائِكَ وَرَضَّيتَهُ بِقَضائِكَ وَمَنَحتَهُ بِالنَّظَرِ إلى وَجهِكَ وَحَبَوتَهُ بِرِضاكَ، وَأعَذتَهُ مِن هَجرِكَ وَقِلاكَ وَبَوَّأتَهُ مَقعَدَ الصِّدقِ في جِوارِكَ وَخَصَصتَهُ بِمَعرَفَتِكَ وأهَّلتَهُ لِعِبادَتِكَ، وَهَيَّمتَ قَلبَهُ لإرادَتِكَ وَاجتَبَيتَهُ لمُشاهَدَتِكَ وَأخلَيتَ وَجهَهُ لَكَ وَفَرَّغتَ فُؤادَهُ لِحُبِّكَ وَرَغَّبتَهُ فيما عِندَكَ وَألهَمتَهُ ذِكرَكَ وَأوزَعتَهُ شُكرَكَ وَشَغَلتَهُ بِطاعَتِكَ، وَصَيَّرتَهُ مِن صالِحي بَريَّتِكَ وَاختَرتَهُ لِمُناجاتِكَ وَقَطَعتَ عَنهُ كُلَّ شيءٍ يَقطَعُهُ عَنكَ اللهُمَّ اجعَلنا مِمَّن دَأبُهُمُ الارتياحُ إلَيكَ وَالحَنينُ وَدَهرُهُمُ الزَّفرَةُ وَالأنينُ جِباهُهُم ساجِدَةٌ لِعَظَمَتِكَ وَعُيونُهُم ساهِرَةٌ في خِدمَتِكَ وَدُموعُهُم سائِلَةٌ مِن خَشيَتِكَ وَقُلوبُهُم مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحَبَّتِكَ وَأفئِدَتُهُم مُنخَلِعَةٌ مِن مَهابَتِكَ يا مَن أنوارُ قُدسِهِ لأبصارِ مُحِبّيهِ رائِقَةٌ وَسُبُحاتُ وَجهِهِ لِقُلوبِ عارِفيهِ شائِقَةٌ يا مُنى قُلوبِ المُشتاقينَ وَيا غايَةَ آمالِ المُحِبّينَ أسألُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَن يُحِبُّكَ وَحُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يوصِلُني إلى قُربِكَ، وَأن تَجعَلَكَ أحَبَّ إلَيَّ مِمَّا سِواكَ وَأن تَجعَلَ حُبّي إياكَ قائِداً إلى رِضوانِكَ وَشَوقي إلَيكَ ذائِداً عَن عِصيانِكَ، وَامنُنُ بِالنَّظَرِ إلَيكَ عَلَيَّ وَانظُر بِعَينِ الوُدِّ وَالعَطفِ اليَّ وَلاتَصرِف عَنّي وَجهَكَ وَاجعَلني مِن أهلِ الإسعادِ وَالحَظوَةِ عِندَكَ يا مُجيبُ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ.​





IDG_20250726_195113_968-3.jpg


IMG_9614.jpg


IMG_9620.jpg


IMG_9621.jpg


متابعة القراءة...
 
عودة
أعلى أسفل