ذكرى استشهاد السيدة رقية عليها السلام 1447هـ | الملا محمد جواد الملا

SH3A3-Q

ابو الميرزا
طاقم الإدارة
إنضم
14 نوفمبر 2007
المشاركات
48,640
النقاط
113
العمر
49
الإقامة
QATIF-القطيف
عنوان المحاضرة: كربلاء امتداد لنهج الإصلاح العلوي ومواجهة الغدر الأموي
المناسبة: ذكرى استشهاد السيدة رقية عليها السلام 1447هـ
الخطيب: الملا محمد جواد الملا
التاريخ: 5 صفر 1447هـ
الموافق: الأربعاء 30 يوليو 2025م

ورد في وصية سيد الشهداء إلى أخيه محمد بن الحنفية، قائلاً: “إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي‏ علي بن أبي طالب”.

جاء في وصية الإمام الحسين عليه السلام إلى أخيه محمد بن الحنفية، إعلانه الصريح لأهم وأبرز الأهداف التي خرج من أجلها في ثورته العظيمة، في طريق الحق ضد الباطل. وكان الهدف الأول: الإصلاح في أمة رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان الهدف الثاني، فكان إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكما يُقال: إن لكل فكرة بداية وشرارة، وكلما عظُمت هذه الفكرة، عظُمت بدايتها وكبرت شرارتها. كذلك هي ثورة الإمام الحسين عليه السلام، فهي ثورة عظيمة في أهدافها وقيمتها، فلا بد أن تكون بدايتها وشرارتها عظيمة كذلك.

لكن عندما نُطالع صفحات التاريخ التي تناولت ثورة الإمام الحسين عليه السلام، نجد أنها لم تكن وليدة اللحظة التي أُعلن فيها عن موت معاوية بن أبي سفيان في المدينة المنورة، ولا وليدة تلك الساعة التي أعلن فيها الإمام الحسين عليه السلام موقفه الصريح في رفضه القاطع لمبايعة يزيد بن معاوية في قصر الوليد بن عتبة.

بل إنها ثورة امتداد لهدف سامٍ، وهدف مقدس وعظيم، وضعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وخرج به بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله. كان ذلك الهدف هو الإصلاح في أمة رسول الله صلى الله عليه وآله، بعد الانقلابات التي جرت ضد نهجه صلى الله عليه وآله بعد استشهاده.

قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} آية 144 – سورة آل عمران، فقد انقلبت الأمة فعلًا على أعقابها، وعلى نهج رسول الله صلى الله عليه وآله. فخرج أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الهدف العظيم: الإصلاح في أمة رسول الله صلى الله عليه وآله، والحفاظ على ما تبقى من نهجه المبارك.

سار على هذا النهج من بعده الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، ثم جاء الإمام الحسين عليه السلام وأعلن أن هذا الهدف من أهداف ثورته العظيمة. ولكن أمير المؤمنين عليه السلام عندما خرج بهذا الهدف، واجه من الأمة السيوف والخذلان والغدر، فالكثير منهم وقفوا في وجهه ليمنعوه من تحقيق الإصلاح، لأن هدفهم كان تخريب نهج رسول الله صلى الله عليه وآله، وبالتالي الوقوف ضد أمير المؤمنين عليه السلام.

حتى بعد أن تولى أمير المؤمنين عليه السلام الحكم، حكم بالعدل وعلى نهج رسول الله صلى الله عليه وآله، وطبق عدالة القرآن، فأمر بتوزيع ثلاثة دنانير ذهبًا على كل مسلم ومسلمة، الفقير والغني على حد سواء، مما أغضب أصحاب المصالح.

يروى أن أمير المؤمنين عليه السلام كان منشغلًا مع ولديه الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام في حراثة الأرض، حتى دخل عليه طلحة والزبير، فقال له طلحة: يا علي، كيف تساوينا بباقي الناس؟! أنا طلحة قدمت للإسلام ما قدمت، وهذا الزبير نسبه كذا وكذا من رسول الله، فكيف تساوينا ببقية الناس؟!

وهذا اعتراض على عدل القرآن الكريم، وعلى عدل نهج رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد سار أمير المؤمنين عليه السلام على هذا النهج، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: وأما عن قولك يا طلحة إنك قدمت للإسلام ما قدمت، فاعلم أنه لا يوجد رجل على وجه الأرض قدم للإسلام مثل ما قدمت. فقد قدم أمير المؤمنين عليه السلام كل ما يملك من أجل الإسلام، ومن أجل رسول الله صلى الله عليه وآله. وقد جاء في وصية رسول الله إلى علي عليه السلام ما يجري على فاطمة عليها السلام، ولكنه عليه السلام لم يسأله عن نفسه، ولا عن أولاده، بل كان يقدم الدين على نفسه، يقول عليه السلام: أفي ذلك سلامة لديني؟ فقال له صلى الله عليه وآله: نعم يا علي، فقال: إذن أصبر يا رسول الله، فكان همه الإسلام.

ثم قال له: وأما عن قولكم إن الزبير نسبه من رسول الله، فاعلم أنه لا يوجد على وجه الأرض من هو أقرب إلى رسول الله مني، فأنا ابن عمه، وصيّه، زوج ابنته، والد سبطيه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، فلا أحد أقرب إلى رسول الله مني.

ثم قال: وأما عن قولكم بأنني ساويتكم ببقية الناس، فاعلموا أنني أمير هذه الأمة، وزعيم هذه الدولة، وقد استلمت ثلاثة دنانير، مثل الغني والفقير.

وهكذا واجه أمير المؤمنين عليه السلام أصوات الغدر، والخذلان، والخيانة. وفي أواخر سنوات حياته، لما أغار معاوية على الأنبار وقتل من شيعة أمير المؤمنين عددًا كبيرًا، خرج حافي القدمين إلى النخيلة وخطب في الناس، بعد أن رفضوا الخروج وخذلوه، وقال لهم:

يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال! لوددت أنى لم أعرفكم، معرفة والله جرت ندما واعقبت سدما، قاتلكم الله لقد ملاتم قلبى قيحا، وشحنتم صدرى غيظا، وجرعتمونى نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم على رأيى بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش إن ابن أبى طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني؟! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أناذا قد ذرفت على الستين، ولكن لا رأى لمن لا يطاع”.

وواجه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ما واجه أبوه من الخذلان والغدر، حتى غدر به ابن عمه عبيد الله بن العباس، الذي ولاه أمير المؤمنين عليه السلام على اليمن، وكان يحمل ثأرًا على معاوية بسبب قتل اثنين من أبنائه في حِجر أمهم في اليمن. ثم انضم إلى جيش الإمام الحسن وتحت رايته 8000 مقاتل من اليمن (أو 12000 حسب بعض الروايات)، لكن أغراه معاوية واشتراه بالمال، فانصرف في الليل، حتى كسر جيش الإمام الحسن عليه السلام.

حتى ناداه الناس: يا مذل المؤمنين! فقال لهم: بل قولوا يا معز المؤمنين.

والعجيب أن من اعترضوا على الإمام الحسن عليه السلام، هم أنفسهم من غدروا بالحسين عليه السلام، مثل عمرو بن الحجاج الزبيدي، الذي عارض الإمام الحسن عليه السلام، وكان بعدها أول من كتب للإمام الحسين عليه السلام ثلاث رسائل يطالبه بالمجيء، ثم غدر بمسلم بن عقيل، وكان له دور كبير في القضاء على ثورة مسلم بن عقيل، وساهم في اعتقال هانئ بن عروة (زوج ابنته أو والد زوجته)، وكان هو مع شُريح القاضي قد خرجا لخداع وطمأنة قبيلة مذحج بسلامة هانئ، ثم شارك في قتله وجر جسده في الأسواق.

وكان له دور كبير كربلاء، فقد كان عمرو بن الحجاج الزبيدي ممن منع الماء عن الحسين في اليوم السابع من المحرم، ثم في اليوم التاسع، اعترض خطبة الإمام، وقال: “يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الامام”.

فقال له الحسين : يا عمرو بن الحجاج أعلي تحرض الناس أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه؟ اما والله لتعلمن لو قد قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم أينا مرق من الدين ومن هو أولى بصلى النار؟

وكان عمرو بن الحجاج من الذين شاركوا في سبي النساء وحمل الرؤوس، وكان عند دخوله على عبيد الله بن زياد يحمل رأس أبي الفضل العباس عليه السلام، ويفتخر به.

فكان عمرو بن الحجاج من الذين غدروا بأهل البيت عليهم السلام، وكان من تلك السيوف التي واجهت أهل البيت عليهم السلام، واختبأت بين الناس بزي الإيمان والتقوي، ولكنه من الشخصيات الخبيثة الغادرة.

ثم جاء الإمام الحسين عليه السلام وأعلن عن أهداف ثورته: أن يسير بسيرة جده وأبيه صلوات الله عليهما. وخرج من المدينة متوجهًا إلى مكة، ثم خرج من مكة قاصدًا العراق، وكلما مر بمحطة أعلن عن النتيجة الحتمية للمعركة، ليختبر من معه، فقال: “كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منى أكراشا جوفا، وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت”، وهكذا كلما تقدم عليه السلام في مسيره انسحب من عنده عدد من الذين التحقوا معه في خروجه من أرض مكة، لأنهم لم يثبتوا على إمامهم.

حتى وقعت معركة كربلاء، واستُشهد الإمام الحسين عليه السلام، وانتصر بدمه على تلك السيوف، قد كان عليه السلام قد أعد لما بعد معركة كربلاء، معركة عظيمة وهي معركة الدفاع عن العقيدة الاسلامية والاسلام، وكان قائد تلك المعركة هو الإمام زين العابدين عليه السلام، وكانت معه عمته زينب سلام الله عليها، حاملة لواء أخيها وكافلها العباس. فانتصروا بكلمتهم، وبمواقفهم، وبصبرهم.

لما دخل ركب السبايا إلى أرض الكوفة، وسأل عبيد الله بن زياد زينب: كيف رأيتِ صنع الله بأخيك؟

قالت: ما رأيت إلا جميلًا.

وكانت زينب سلام الله عليها، كما شهد لها الإمام زين العابدين عليه السلام: “أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة”.​



IMG_9723.jpg


IMG_9722.jpg


IMG_9716.jpg


IMG_9714.jpg







متابعة القراءة...
 
عودة
أعلى أسفل