ذكرى وفاة سلمان المحمدي رضوان الله عليه 1447هـ | الشيخ الدكتور جمال الخرفوش

SH3A3-Q

ابو الميرزا
طاقم الإدارة
إنضم
14 نوفمبر 2007
المشاركات
48,640
النقاط
113
العمر
49
الإقامة
QATIF-القطيف
عنوان المحاضرة: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجل من هؤلاء
المناسبة: ذكرى وفاة سلمان المحمدي رضوان الله عليه 1447هـ
الخطيب: الشيخ الدكتور جمال الخرفوش
التاريخ: 9 صفر 1447هـ
الموافق: السبت 2 أغسطس 2025م

نزلت سورة الجمعة، فلما نزلت {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قالوا: من هؤلاء يا رسول الله؟ فوضع النبي صلى الله عليه وآله يده على كتف سلمان، ثم قال: “لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجل من هؤلاء”.

سلمان المحمدي سلام الله عليه، يُعد من طلائع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يُقاس بسلمان أحد، والمسألة فيها طبقات ودرجات، وكل طبقة داخلها درجات، فحينما نأتي إلى أهل البيت عليهم السلام، ماذا يقولون عن أنفسهم؟ يقولون: “كلنا في الفضل سواء”، لكن ليس بمعنى أن كلهم على نفس الدرجة، بل هم في طبقة واحدة، ولكن داخل هذه الطبقة هناك تفاوت في الدرجات. كلهم من طبقة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ولكن “علي وشأنه”، وهنا لم يقل الإمام إن عليًا أفضل أو أعلم أو أقرب إلى الله، بل قال “علي وشأنه”، فلم يعطنا نسبة نقيس بها مقدار الفارق في الفضل بين أمير المؤمنين وباقي الأئمة عليهم السلام.

مثال ذلك: عندما نتحدث عن أجر الصيام، ورد في الروايات أن كل عمل ابن آدم يُجازى من عشرة أضعاف إلى سبعين ضعفًا، حسب الإخلاص والنية والعمل وتأثيره في الواقع. فالعمل الواحد قد يُجزى عليه بعشرة أضعاف أو ثلاثين أو سبعين. أما الصيام، فهو استثناء، قال صلى الله عليه وآله: يقول الله تبارك وتعالى: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي”، أي أن أجره ليس له حد، ولا يُقاس بمقاييس الحسنات الأخرى، لأنه عند الله مباشرة، فذلك يعني أن أجره لا يمكن أن يُدرك بعقل بشري. حتى الأرقام التي وصل إليها العلم البشري اليوم، تريليونات ومليارات، لا تكفي لوصف أجر الصيام عند الله، فهو فوق كل المقاييس، ولا يخضع لعدد ولا ميزان.

وإذا كان الفرق شاسعًا بين علي وباقي الأمة، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله تعامل مع الصحابة؟ كيف رتّبهم؟ كل صحابي له وسام، كأبو ذر الغفاري، وما أدراك ما أبو ذر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر”، وهذا نوع من العصمة في الصدق قد شهد لها رسول الله صلى الله عليه وآله. أي أن أحد أصدق لهجةً من أبي ذر، طبعًا لا نقصد هنا أنه أصدق من المعصومين أو الأنبياء، بل من سائر البشر.

ولكن، لما نأتي إلى سلمان المحمدي، لا توجد مقارنة. فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله: “سلمان منا أهل البيت”، فكيف يكون سلمان منهم، وأهل البيت عليهم السلام هم من نسل إبراهيم عليه السلام، من شجرة النبوة، من آل إسماعيل، وقد قال الله عز وجل فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} آية 33 – سورة الأحزاب؟!

والبعض يقول إن سلمان يُحسب على خط أهل البيت لأنه سار على منهجهم، روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “رحم الله شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا”، نحن خُلقنا من طينة أهل البيت عليهم السلام، وذاك في عالم يسمى “عالم الذر” وحين يكون أحد خُلق من طينة أهل البيت عليهم السلام، يصبح منهم. وسلمان منهم، لا يشبهه أحد.

في مرة من المرات، كان سلمان المحمدي، وأبو ذر الغفاري رضوان الله عليهما، جالسين يتحدثان عن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، واختلفا في أعظمها شئنا، فاحتكموا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال الإمام عليه السلام:

“يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يعرفني بالنورانية، وإذا عرفني بذلك فهو مؤمن، امتحن الله قلبه للإيمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفا بدينه مستبصرا، ومن قصر عن ذاك فهو شاك مرتاب، يا سلمان ويا جندب، إن معرفتي بالنورانية معرفة الله، ومعرفة الله معرفتي، وهو الدين الخالص، بقول الله سبحانه: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} وهو الإخلاص، وقوله: {حنفاء} وهو الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، وهو الدين الحنيف، وقوله: }ويقيموا الصلاة}، وهي ولايتي، فمن والاني فقد أقام الصلاة، وهو صعب مستصعب، {ويؤتوا الزكاة}، وهو الإقرار بالأئمة، {وذلك دين القيمة} أي: وذلك دين الله القيم”.

وكان أمير المؤمنين ينبه سلمان، و أبو ذر، أنهما يتحدثان عن فضيلة في هذا العالم، في حين أنه عليه السلام لم كين فقط الشخص الذي وُلد في جوف الكعبة، وليس فقط زوج فاطمة الزهراء عليها السلام، أو أبا للحسن وللحسين عليهما السلام، أو قاتل الأبطال، أو فارس بدر وحنين ومكسر الأصنام… هذه كلها فضائل عظيمة، ولكنها أعظم هنا في هذا العالم “عالم الأصلاب” وهو أدنى عالم، وهي لا تُقرن بشيء من فضائله في العالم الأعلى “عالم الأنوار” وهو أرقى عالم.

فأمير المؤمنين عليه السلام يقول إن أردتم أن تعرفوني، فلا تقيسوني بقياسات هذا العالم، لا تقولوا إن أعظم فضائلي أني وُلدت في جوف الكعبة. ما هي الكعبة المشرفة أمام علي بن أبي طالب عليه السلام؟ هذه فضيلة عظيمة نعم، لكنها من فضائل هذا العالم، وأنا لي مقامات في العوالم العليا، في عالم الأنوار، من لم يعرفني بها، فقد جهلني.

ولا يصح أن نرفض روايات في فضل أهل البيت أو أصحابهم لمجرد أن عقولنا لا تستوعبها، بل نرفعها إلى عالم الأنوار، وننظر فيها هناك، حيث تتناغم المعاني، ولا تتعارض مع المقاييس النورانية. هذه ليست مبالغة، بل الحقيقة التي أدركها العارفون بمقاماتهم.

خذ مثالًا من خيبر: الإمام علي عليه السلام عندما ضرب مرحب، لم يضربه ضربة عادية، بل كانت ضربة كونية، ملكوتية، شقته نصفين. لم تكن من القوة الجسمانية، بل من القوة الإلهية التي أُودعت فيه، يقول عليه السلام: “والله ما قلعت باب خيبر، ودكدكت حصن يهود بقوة جسمانية، بل بقوة إلهية”، وعنه عليه السلام: والله ما قلعت باب خيبر ورميت بها خلف ظهري أربعين ذراعا بقوة جسدية ولا حركة غذائية، لكني أيدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضية”، ولما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام مرحب وشقه إلى نصفين كان يمكن أن تُشق الأرض نصفين من شدتها، لولا أن الله أمر جبرئيل وميكائيل أن يمنعا تأثير تلك الضربة.​

أورد كتاب الأنوار العلوية للشيخ جعفر النقدي صفحة 197:

روي بأسانيد معتبرة: أن عليا عليه السلام لما قابل مرحبا سمعه يشتم رسول الله، فغضب عليه السلام غضبا شديدا حتى احمرت عيناه وصارتا في أم رأسه، فرفع مرحبا سيفه إلى رأسه فاتقاه عليه السلام بالجحفة، ثم رفع عليه السلام سيفه وقد برز شعر جلده من حلقات درعه غضبا، وصرخ به، فأوحى الله تعالى إلى ميكائيل: ان اقبض على يد علي في الهواء، والى إسرافيل: ان احبسه من فوق رأسه، والى جبرئيل: ان افرش جناحك على الأرض تحت سيفه، وإلا فوعزتي وجلالي ان عبدي علي مع غضبه هذه يقطع الأرضين السبع بسيفه.

فنزل سيف أمير المؤمنين إلى مفرق مرحب، إلى دماغه، إلى رقبته، إلى صندوق صدره، إلى صرته، إلى بطنه، إلى مذاكيره، إلى أليته، إلى السرج، إلى ظهر الفرس، إلى الأرض، إلى جناح جبرئيل، فاستغاث بالباري عز وجل، فقبض عليه بيد القدرة.

وحدث جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، إلي قد حملت قرى قوم لوط على جناحي، فما كانت عندي إلا أخف مما كان، واني لما وقع على سيف ابن عمك، ظننت ان السماوات والأرض قد وقعتا علي.​

فلما نأتي إلى سلمان المحمدي رضوان الله عليه، ونسمع قول النبي صلى الله عليه وآله: “سلمان منا أهل البيت”، وهنا يجب أن ننتبه، أنه صلى الله عليه وآله لم يقل: “سلمان من أهل البيت” فهي تعني (الأصالة) فيصبح سلمان من شجرة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكنه قال: “سلمان منا أهل البيت”، فيصبح سلمان من أهل البيت لدخالة أسباب معينة.

خذ مثالًا آخر: سعد الخير، من أحفاد مروان بن الحكم ذلك الملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله، تقول الرواية: دخل سعد بن عبد الملك -وكان أبو جعفر عليه السلام يسميه “سعد الخير” وهو من ولد عبد العزيز بن مروان- على أبي جعفر عليه السلام، بينا ينشج كما تنشج النساء فقال له أبو جعفر عليه السلام: ما يبكيك يا سعد؟ قال وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن، فقال له: لست منهم، أنت أموي منا أهل البيت، أما سمعت قول الله عز وجل يحكي عن إبراهيم: {فمن تبعني فإنه مني}.

وهذه العبارة نفسها التي قالها رسول الله صلى الله عليه وآله عن سلمان، ومن ذلك اليوم صار يُعرف بـ”سعد الخير”، وكان من رواة الحديث الثقات، المقرّبين من الإمام، وفي زيارة عاشوراء نقول: “لعن الله بني أمية قاطبة”، أي كلهم، لكن هذا لا يشمل “سعد الخير”.

وفي بيت أبي سفيان نفسه، كانت هناك رملة بنت أبي سفيان، أم حبيبة، إحدى زوجات النبي محمد صلى الله عليه وآله. البعض يظن أنها كانت مع أبيها ومع معاوية، لكن الحقيقة أنها كانت من أشد المواليات لأمير المؤمنين عليه السلام، ويُروى عنها هذه الرواية: لما بلغ أبا بكرة أخا زياد لأمه سمية: إن معاوية استلحقه، وإنه رضي ذلك، آلى يمينا أن لا يكلمه أبدا، وقال: هذا زنا أمه وانتفى من أبيه، ولا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط، ويله ما يصنع بأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؟ (بنت أبي سفيان) أيريد أن يراها؟ فإن حجبته؟ فضحته، وإن رآها؟ فيالها مصيبة؟ يهتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة عظيمة. وحج زياد في زمن معاوية ودخل المدينة فأراد الدخول على أم حبيبة ثم ذكر قول أبي بكرة فانصرف عن ذلك. وقيل: إن أم حبيبة حجبته ولم تأذن له في الدخول عليها.

ويُروى أيضًا أن أباها، أبو سفيان دخل عليها، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدرى أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عنى؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله.

فكل من سار بسنة أهل البيت عليهم السلام، حتى لو لم يكن من نسلهم، يُكرم، كما قال النبي صلى الله عليه وآله عن سلمان: “سلمان منا أهل البيت”، حتى قيل إن سلمان لما صارت بيعة السقيفة، كان آخر الصحابة الذين بايعوا، وأمير المؤمنين عليه السلام لم يبايع أصلًا، بل أمر أصحابه بالبيعة لأن تكليفهم الشرعي يختلف عن تكليفه.

فبايع أصحاب الإمام عليه السلام إلا سلمان المحمدي، وتغير وجهه وصار أحمر من الغضب، فأمره أمير المؤمنين أن يبايع، ويروي سلمان المحمدي لسليم بن قيس، أنه قد قال عند البيعة: تبا لكم ساير الدهر، أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم؟ أصبتم و أخطأتم، أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها.

فقال عمر: يا سلمان أما إذ بايع صاحبك وبايعت، فقل ما شئت، وافعل ما بدا لك، وليقل صاحبك ما بدا له.

قال سلمان: فقلت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: “إن عليك و على صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة، ومثل عذابهم جميعا”.

فقال: قل ما شئت أليس قد بايعت؟ ولم يقر الله عينك بأن يليها صاحبك.

فقلت أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة أنه باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم.

فقال لي: قل ما شئت أليس قد أزالها الله عن أهل البيت الذين اتخذتموهم أربابا من دون الله.

فقلت له: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: وسألته عن هذه الآية {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد} فأخبرني أنك.

وما أدراك ما سلمان؟! سلمان الذي قال فيه الإمام الصادق عليه السلام حين سمع بعضهم يصفه بـ”سلمان الفارسي”: لا تقولوا “سلمان الفارسي”، ولكن قولوا: “سلمان المحمدي” ذاك رجل منا أهل البيت.

فالنبي قال عنه: “منا أهل البيت”، فهل يأتي أحد بعد ذلك ويسلبه هذا الشرف؟! لا، بل هو محمدي، لأن النسبة إلى آل محمد أشرف من كل نسب.​



IMG_9853.jpg


IMG_9851.jpg


IMG_9856.jpg


متابعة القراءة...
 
عودة
أعلى أسفل