ذكرى استشهاد الإمام الرضا عليه السلام 1447هـ | الملا حسن الصالح

SH3A3-Q

ابو الميرزا
طاقم الإدارة
إنضم
14 نوفمبر 2007
المشاركات
48,640
النقاط
113
العمر
49
الإقامة
QATIF-القطيف
عنوان المحاضرة: الإمام الرضا عليه السلام وموقفه من حركة الترجمة والتعريب
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام الرضا عليه السلام 1447هـ
الخطيب: الملا حسن الصالح
التاريخ: 17 صفر 1447هـ
الموافق: الإثنين 11 أغسطس 2025م

مما ورد عن سيدنا ومولانا باب الحوائج الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام كان يقول لبنيه: “هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فاسألوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم، فاني سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما السلام غير مرة يقول لي: إن عالم آل محمد لفي صلبك، وليتني أدركته، فإنه سمي أمير المؤمنين علي”.​

يقع الكلام في ثلاث نقاط:

  • النقطة الأولى: بزوغ النجم العلمي للإمام الرضا عليه السلام:
    قد بزغ نجم الإمام الرضا عليه السلام في العلم منذ أن كان في المدينة المنورة، بعد استشهاد والده الإمام الكاظم عليه السلام وتصدى لدور الإمامة، وقد نقل المؤرخون شواهد تدل على مكانته العلمية المبكرة:​
    • النص الأول: ينقله ابن النجار الحنبلي في الجزء الرابع من كتابه “ذيل بغداد”، وهو ليس على المذهب الشيعي، حيث قال عن الإمام الرضا عليه السلام:
      “وكان من العلم والدين بمكان، كان يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن نيف وعشرين سنة، استدعاه أمير المؤمنين المأمون إلى خراسان وجعله ولي عهده فلم تطل أيامه حتى أدركه أجله، وكان قد حدث بخراسان وغيرها من البلاد، روى عنه عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، وأحمد بن عامر بن سليمان الطائي، وعبد الله بن العباس القزويني، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن حنبل، والمعلى بن منصور الرازي، وآدم بن أبي إياس العسقلاني، ومحمد بن رافع التستري، وخالد بن أحمد الذهلي، ونصر بن علي الجهضمي، وأبو أحمد داود بن سليمان بن يوسف بن عبد الله الغازي، وغيرهم”.​
    • النص الثاني: ينقله العلامة الطبرسي عن أبي الصلت الهروي، حيث قال: “لقد سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيى الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجيب عنها.”
      وهذا البروز العلمي أثار قلق المأمون العباسي، إذ رأى أن التفاف العلماء والناس حول الإمام قد يمهد لتحول الإمامة الدينية إلى إمامة سياسية، فقرر استقدامه من المدينة إلى خراسان.​
    • النص الثالث: أورد صاحب كتاب تاريخ نيشابور في كتابه: “أن علي بن موسى الرضا عليه السلام لما دخل إلى نيشابور في السفرة التي فاز فيها بفضيلة الشهادة كان في قبة مستورة بالسقلاط على بغلة شهباء وقد شق نيشابور، فعرض له الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية والمثابران على السنة المحمدية “أبو زرعة الرازي” و”محمد بن أسلم الطوسي” ومعهما خلائق لا يحصون من طلبة العلم وأهل الأحاديث وأهل الرواية والدراية، فقالا: أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك محمد صلى الله عليه وآله نذكرك به، فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلة عن القبة وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة، فكانت له ذؤابتان على عاتقه والناس كلهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه وهم بين صارخ وباك ومتمرغ في التراب ومقبل لحافر بغلته، وعلا الضجيج فصاحت الأئمة والعلماء والفقهاء: معاشر الناس اسمعوا وعوا وانصتو لسماع ما ينفعكم ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم. وكان المستملي أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي، فقال علي بن موسى الرضا عليه السلام: حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين شهيد كربلاء عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال: حدثني حبيبي وقرة عين رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حدثني جبرئيل قال: سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول: كلمة لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن [من] عذابي. ثم أرخى الستر على القبة وسار. قال: فعدوا أهل المحابر والدوي الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا”.
    • النص الرابع: كلامه عليه السلام للمأمون العباسي عندما طلب منه تولي منصب ولاية العهد: “إنما دخلت في هذا الامر الذي دخلت فيه على أن لا آمر ولا أنهى ولا أولي ولا أعزل، وما زادني هذا الامر الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيئا ولقد كنت بالمدينة وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب، ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة وما بها أعز مني، وما كان بها أحد يسألني حاجة يمكنني قضاؤها له إلا قضيتها له”.



  • النقطة الثانية: موقف السلطة العباسية من الإمام عليه السلام:
    بعد أن أثار البزوغ العلمي للإمام الرضا عليه السلام المخاوف من تحولها إلى حركة سياسية، قامت السلطة العباسية بنقل الإمام من المدينة إلى خراسان، ولم تكتف بذلك بل قامت بعدة إجراءات:​
    • الإحاطة بشخصيته عليه السلام والتقليل من شأنه: أول إجراء إتخذه المأمون هو أن ولاه ولاية العهد، لا حبًا فيه، بل ليُظهر للناس أن الإمام طامع في الدنيا، وليكسر صورته كزاهد، وقال الإمام الرضا عليه السلام مخاطبًا المأمون العباسي: “تريد بذلك أن يقول الناس إن علي بن موسى الرضا عليهما السلام لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة!” فغضب المأمون ثم قال: إنك تتلقاني أبدا بما أكرهه وأمنت سطوتي فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك فإن فعلت وإلا ضربت عنقك، فقال الرضا عليه السلام: “قد نهاني الله تعالى أن القي بيدي التهلكة، فإن كان الامر على هذا فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل على أني: لا أولي أحدًا، ولا أعزل أحدًا، ولا أنقض رسمًا ولا سنة، وأكون في الامر من بعيد مشيرًا”، فرضي منه بذلك وجعله ولي عهده على كراهة منه عليه السلام بذلك.
    • ترجمة وتعريب الكتب اليونانية: أول من بدأ بترجمة الكتب اليونانية في التاريخ الإسلامي هو “خالد بن يزيد بن معاوية”، ثم من بعده “أبو جعفر الدوانيقي”، ثم من بعدهم هو “المأمون العباسي” والذ توسع كثيرً في حركة ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية، بعد أن أرسل إلى ملك قبرص طالبًا جميع الكتب اليونانية، فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك فكلهم أشار بعدم تجهيزها إليه إلا مطران واحد فإنه قال: “جهزها إليهم، ما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت الاختلاف بين علمائها”.
      وقد شكل المأمون لجنة برئاسة حنين بن إسحاق لترجمتها، ومنح المترجمين ذهبًا بوزن ما يترجمونه، وقد احتوت هذه الكتب على أفكار إلحادية مثل: أن الواحد لا يصدر منه إلا واحد، وهذا خدش في قدرة الله سبحانه وتعالى، وأن أفعال العباد كلها مخلوقة، وإنكار المعاد، والقول بأن الأنبياء لم يُرسلوا إلا للعقول الساذجة، وغير ذلك الكثير من الأفكار والعقائد المنحرفة. وقد ذكر المقريزي في كتاب “رسائل المقريزي”: “وهذا المأمون عبد الله بن هارون الرشيد قد أثر في الإسلام أقبح أثر، وهو أنه عرّب كتب الفلسفة حتى كاد بها أهل الزيغ والإلحاد للإسلام وأهله، وحمل مع ذلك الناس كافة على القول بخلق القرآن، وامتحنهم فيه أشد محنة”.ويوضح “العلامة المجلسي” و”الميرزا مهدي الأصفهاني” سبب اهتمام المأمون العباسي بترجمة تلك الكتب، مبينين أن غايته كانت إنشاء مدرسة فكرية جديدة في مواجهة مدرسة أهل البيت عليهم السلام.​



  • النقطة الثالثة: دور الإمام الرضا عليه السلام في مواجهة هذه الحركة الفكرية:
    واجه الإمام الرضا عليه السلام هذه الموجة الفكرية بعدة طرق:
  • توجيه تلامذته للتأليف والرد: مثل الفقيه فضل بن شاذان، والذي ألف عشرات الكتب في الرد على هذه الأفكار، ومن بين مؤلفاته: كتاب الرد على أهل التعطيل، كتاب الرد على الثنوية، كتاب إثبات الرجعة، كتاب الرد على الغالية المحمدية، كتاب تبيان أصل الضلالة، كتاب الرد على محمد بن كرام، كتاب التوحيد في كتب الله، كتاب الرد على أحمد بن الحسين، كتاب الرد على الأصم، كتاب في الوعد والوعيد آخر، كتاب الرد على البيان بن رئاب، كتاب الرد على الفلاسفة، كتاب محنة الإسلام، كتاب الرد على المنانية، كتاب الرد على المرجئة، كتاب الرد على القرامطة، كتاب الرد على البائسة، كتاب حذو النعل بالنعل، كتاب الإمامة كبير، كتاب فضل أمير المؤمنين عليه السلام، كتاب معرفة الهدى والضلالة، كتاب الرد على الحشوية، كتاب الرد على الحسن البصري في التفضيل، كتاب النسبة بين الجبرية والثنوية.​
  • الرد بنفسه: ألف الإمام الرسالة الذهبية في الطب، وفيها رد علمي على كثير من مزاعم الأطباء الذين أخذوا علم الطب من الكتب اليونانية، وقد ذكر محمد بن جمهور القمي الذي كان ملازما للإمام الرضا عليه السلام لخدمته أن المأمون ذات يوم وفي مجلسه جماعة من المتطببين والفلاسفة وغيرهم من منتحلي العلوم وذوي البحث والنظر، قد جرى ذكر الطب وما فيه صلاح الأجسام وقوامها. فأغرق المأمون ومن بحضرته في الكلام وتغلغلوا في علم ذلك، وكيف ركب الله تعالى هذا الجسد وجميع ما فيه من هذه الأشياء المتضادة من الطبائع الأربع، ومضار الأغذية ومنافعها وما يلحق الأجسام من مضارها من العلل. والإمام الرضا عليه السلام ساكت لا يتكلم في شئ من ذلك. فقال له المأمون: ما تقول يا أبا الحسن في هذا الامر الذي نحن فيه اليوم، والذي لا بد منه، من معرفة هذه الأشياء، والأغذية النافع منها والضار، وتدبير الجسد؟
    فقال الإمام الرضا عليه السلام: “عندي من ذلك ما جربته وعرفت صحته بالاختبار ومرور الأيام مع ما وفقني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الانسان جهله ولا يعذر في تركه، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج إلى معرفته”. فطلب المأمون العباسي من الإمام الرضا أن يكتب ما يعرفه في طب، فكتب الإمام الرضا عليه السلام إليه تلك الرسالة المسماة بطب الرضا، وأمر المأمون بكتابتها بالذهب وأن تحفظ في خزانة الحكمة وسماها “الرسالة الذهبية” أو “الرسالة المذهبة”.​
  • المناظرات العلمية: ناظر كبار علماء الكلام من أصحاب الأفكار المنحرفة، يقول محمد بن يحيى الصولي، عن ابن ذكوان قال: سمعت إبراهيم بن العباس يقول: “ما رأيت الرضا عليه السلام سئل عن شئ قط إلا علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيب عنه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن”.​

بعد أن فشلت كل محاولات المأمون في النيل من مكانة الإمام العلمية والدينية، لم يجد وسيلة إلا بقتله عليه السلام.​



IMG_8703.jpg


IMG_8710.jpg


IMG_8712.jpg


IMG_8713.jpg


IMG_8715.jpg


متابعة القراءة...
 
عودة
أعلى أسفل