أهداف المأمون من ولاية العهد التي أعطاها للإمام الرضا معظمها تحققت في البدء ،فقوى مركزه،وارتفع بالخلافة من الحضيض واستتب له الأمر،واستوثقت به الممالك ،وكسب ود العلويين ،حتى كان عدد كبير منهم يعيش بجواره، وأصبح يتمكن من الصمود في وجه أي عاصفة أو ثورة.
ولكن وجد منحدر جديد ،فقد ظهر للعالم فضل الامام الرضا (ع) وعلمه وعفته وورعه ، بحيث استهوته القلوب ،ولهجت بمدحه الألسن،فكان هذا المديح يعكر صفو حياته ويهدد مركزه وخلافته .فأخذ يجمع العلماء وأهل الكلام من المعتزلة وهم من أصحاب الجدل وغيرهم ليظهر عجز الرضا (ع) وأنه ليس من أهل المعرفة كما يدعي ولكن الامام الرضا هو الامام الحق ودائما هو الفائز ومن هذه المناظرات أحضرت لكم هذه المناظرة من تحف العقول ص 104 حيث كان المأمون يسأل والامام الرضا وهي كالآتي:
لما حضر علي بن موسى (ع) مجلس المأمون وقد اجتمع فيه العلماء أهل العراق وخراسان فقال المأمون:خبروني عن معنى هذه الآية:) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا (.
فقال العلماء:أراد الله الأمة كلها .
فقال المأمون:ما تقول يا أبا الحسن؟
فقال الرضا (ع):لا أقول كما قالوا أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة (ع).
فقال المأمون:وكيف عني بالعترة دون الأمة ؟
فقال الرضا(ع):لو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة لقول الله:)فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَ مِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُالْكَبِيرُ ( ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل:) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا( فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا غيرهم ثم قال الرضا (ع): هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال:) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ َتطْهِيرًا(وهم الذين قال رسول الله (ص) فيهم:" إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ،لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، انظروا كيف تخلفون فيها يا أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم" .
فقال العلماء:أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة؟هم الآل أو غير الآل؟
فقال الرضا(ع):هم الآل.
فقال العلماء:فهذا رسول الله (ص) يؤثر عنه إنه قال: أمتي إلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه: آل محمد وأمته.
فقال الرضا(ع): أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد؟
قالوا:نعم
قال:فتحرم على الأمة ؟؟.
قالوا:لا
قال:هذا فرق بين الآل وبين الأمة ويحكم أين يذهب بكم اصرفتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون ،أما علمتم إنما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم.
قالوا :من أين قلت يا أبا الحسن؟
قال:من قول الله تعالى:)وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَ جَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ( فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين د ون الفاسقين ، أما علمتم أن نوحا سأل ربه فقال:) فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ( وذلك إن الله وعده أن ينجيه وأهله .فقال له ربه تبارك وتعالى:) إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَالَيْسَ لَكَ بِه ِعِلْم ٌإِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُون َمِن َالْجَاهِلِينَ(
فقال المأمون:فهل فضل الله العترة على سائر الناس؟
فقال الرضا (ع):إن الله العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه
قال المأمون:أين ذلك من كتاب الله ؟
فقال الرضا(ع):في قوله تعالى:) إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَم َوَنُوحًا وَآل َإِبْرَاهِيمَ وَآل َعِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ(وقال الله في موضع آخر :) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَاآتَاهُم ُاللّه ُمِن فَضْلِهِ فَقَد ْآتَيْنَآ آل َإِبْرَاهِيم َالْكِتَاب َوَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا( ثم رد المخاطبة في أثرها على سائر المؤمنين فقال:)يَا أَيُّهَا الَّذِين َآمَنُوا ْأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْالرَّسُولَ و َأُوْلِي الأَمْرِمِنكُمْ( يعني الذين أورثتهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليهما بقوله:) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَاآتَاهُم ُاللّه ُمِن فَضْلِهِ فَقَد ْآتَيْنَآ آل َإِبْرَاهِيم َالْكِتَاب َوَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا( يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين والملك ها هنا الطاعة لهم.