اليوم الثاني عشر من المحرم 1447هـ | السيد إبراهيم المحافظة

SH3A3-Q

ابو الميرزا
طاقم الإدارة
إنضم
14 نوفمبر 2007
المشاركات
48,670
النقاط
113
العمر
49
الإقامة
QATIF-القطيف
عنوان المحاضرة: زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين
المناسبة: ذكرى عاشوراء 1447هـ
الخطيب: السيد إبراهيم المحافظة
التاريخ: 12 شهر محرم 1447هـ
الموافق: الثلاثاء 8 يوليو 2025م

ورد في الخبر عن الإمام زين العابدين سلام الله عليه أنه قال عند ولادة ولده زيد: عزيت عن هذا المولود وانه لمن الشهداء.

هو زيد بن الإمام زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، وُلد زيد في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهناك قولان في تاريخ ولادته: القول الأول أنه وُلد بين سنة 75 و77 للهجرة، والقول الثاني أنه وُلد بين سنة 66 و67 للهجرة.

ولما بشر به أبوه الإمام زين العابدين عليه السلام أخذ القرآن الكريم وفتحه متفائلا به فخرجت الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ آية 111 – سورة التوبة، فطبقه وفتحه ثانيا فخرجت الآية: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آية 169 – سورة آل عمران، وطبق المصحف ثم فتحه فخرجت الآية: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ﴾ آية 95 – سورة النساء، وبهر الامام وراح يقول: عزيت عن هذا المولود وانه لمن الشهداء.

وقد عاصر زيد أباه الإمام زين العابدين سلام الله عليه مدة تتراوح بين عشرين وثلاثين سنة، بحسب الخلاف في تاريخ ولادته، ثم عاصر أخاه الإمام الباقر عليه السلام قرابة تسع عشرة سنة، وبعد شهادة الإمام الباقر عليه السلام، عاصر ابن أخيه الإمام الصادق عليه السلام نحو سبع سنوات. وكانت شهادته في زمن إمامة الإمام الصادق عليه السلام، في الكوفة، سنة 120 أو 121 للهجرة، على تفصيل سيأتي لاحقًا.

وكان زيد أحد أعلامالأسرة النبوية الذين رفعوا كلمة الله عالية في الأرض، وكيف لا يكون كذلك، وقد استقى علومه من ثلاثة أئمة معصومين: أبوه الإمام السجاد، وأخوه الإمام الباقر، وابن أخيه الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ولعل العنوان الأبرز في الحديث عن زيد، أو كلما ذُكر اسمه، هو عنوان “الشهادة” وعنوان ”قيامه”. وتُطرح هنا عدة تساؤلات: هل كان زيد مرضيًا عند الأئمة؟ هل كان قيامه بإذن الإمام الصادق عليه السلام؟ هل كان قيامه بدافع شخصي كطلب الخلافة و الحكم والرئاسة؟ أم لا؟ وهكذا تُطرح التساؤلات كلما تم الحديث عن سيرة زيد رحمه الله.

هنا نقول: لم تكن دوافع زيد شخصية حين خرج في وجه بني أمية، بل كان قيامه خالصًا لله عز وجل وفي سبيله. ومثالًا على ذلك، ما ذكره أحد كبار علمائنا، الشهيد الأول الشيخ محمد بن مكي العاملي، صاحب كتاب “اللمعة الدمشقية”، حيث قال: إن خروج زيد كان بإذن من الإمام الصادق عليه السلام، حتى لو سلّمنا وتنازلنا بأن قيامه لم يكن بإذن خاص، فهذا أمر طبيعي نظرًا للظروف الصعبة التي كانت تحيط بالأئمة آنذاك، إذ كان من الصعب إصدار إذن صريح بالقيام ضد السلطة. ولكن، ما دام الإمام لم يُبدِ معارضة ولم يذم الحركة، بل أمضاها، فهذا كافٍ لإثبات شرعيتها.

طبعًا، الأفضل للإنسان أن يكون “حذو النعل بالنعل” مع الإمام المعصوم في كل حركاته وسكناته، ولكن إذا ظهر لنا أمر معين مخالف لما يراه الإمام المعصوم ونريد أن نعرف حكمه، فإننا نرجع إلى موقف الإمام منه: هل الإمام أبدى موقفًا مغايرًا من هذا الفعل؟ أم أن هناك موقف إيجابي اتجاهه؟ وهكذا نقيس الأمور، وهنا نجد موقف الإمام الصادق عليه السلام كان إيجابيا، وقد أمضى حركة وقيام زيد.

في “الكافي” للكليني، ورد أن الإمام الصادق عليه السلام قال: ولا تقولوا خرج زيد، فان زيدًا كان عالمًا، وكان صدوقًا ولم يدعكم إلى نفسه إنما دعاكم إلى الرضى من آل محمد، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه.

أي أنه لو انتصر وظفر في قيامه، لسلم الأمر إلى الإمام الصادق عليه السلام، وهذا مؤشر أن قيام زيد كان مرضيًا عند الإمام الصادق عليه السلام.

وروي عن فضيل الرسان أنه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام بعد ما قتل زيد بن علي، فأدخلت بيتا جوف بيت فقال لي: يا فضيل قتل عمي زيد؟
قلت: جعلت فداك.
قال: رحمه الله أما إنه كان مؤمنًا، وكان عارفًا، وكان عالمًا، وكان صدوقًا أما إنه لو ظفر لوفى، أما إنه لو ملك لعرف كيف يضعها.

في المقام سأنقل هنا شيئًا من كلمات علمائنا في زيد رحمه الله:

قال الشيخ المفيد في “الإرشاد”: وكان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم، وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا.

وكلمة (عين) تحتمل عدة معانٍ، فقد تُطلق على العين الباصرة، أو على عين الماء، أو على الجاسوس، أو على الشخصية البارزة المرموقة. ولذلك سمّى السيد محسن الأمين كتابه (أعيان الشيعة)، أي وجوه وكبار الشيعة، وهنا قال الشيخ المفيد: كان عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم.

وقال العلامة المجلسي في “مرآة العقول”: دلت أكثر الأخبار على كون زيد عليه السلام مشكوراً، وأنه لم يدع الإمامة، وأنه كان قائلاً بإمامة الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام، وإنما خرج لطلب ثار الحسين عليه السلام، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله، وأنه كان عازمًا على أنه إن غلب على الأمر فوضه إلى أفضلهم وأعلمهم، وإليه ذهب أكثر أصحابنا، بل لم أر في كلامهم غيره، وقيل: إنه كان مأذونًا من قبل الإمام سرًا، ويؤيده ما استفيض من بكاء الإمام وترحمه ودعاؤه له، ولو كان قُتل على دعوى الإمامة لما استحق ذلك.

وكانت البيعة التي أخذها زيد من الناس قائمة على كتاب الله، وسنة نبيه، ونصرة أهل البيت، والدفاع عن المستضعفين، وإقامة العدل. هذا ما بايعه عليه الناس، وهذا ما خرج لأجله.

ويُقال إن الشرارة التي فجرت قيام زيد، كانت ما جرى بينه وبين هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، حيث دخل عليه، وبدأ يبين له الأخطاء، وحصل خلاف بينهما، إلى أن تطاول هشام على مقام النبي صلى الله عليه وآله، وعلى العترة الطاهرة، فاستبان لزيد الموقف، وقرر أن يواجههم، فخرج من عند هشام، وتوجه إلى الكوفة.

دخل زيد الكوفة في شوال سنة 120 هـ تقريبًا وقيل 119 هـ، وبدأ بالدعوة إلى القيام ضد بني أمية، وبدأ بتحشيد الناس. وذكرت بعض الروايات أن عدد من اجتمع معه تراوح بين عشرين ألفًا وخمسة وعشرين ألفًا، من الكوفة وضواحيها، ومن المدائن، ومن البصرة، وغيرها. وتم الاتفاق على وقت محدد للقيام، لكن والي الكوفة علم بالأمر، وبدأ بملاحقة زيد.

فاضطر زيد إلى التخفي في بيوت أنصاره، وظل يتنقل بينهم حتى لا يُقبض عليه قبل الموعد المحدد. ولكن بعد أن اشتدت المداهمات وخشي الغدر، بادر زيد إلى الخروج قبل الموعد، في ما يسمي “قيامًا اضطراريًا”، ولهذا لم يتمكن أغلب أنصاره من الوصول إليه، خصوصًا من كانوا في البصرة والمدائن.

ونشير هنا إلى أن أحداث حركة زيد تشبه كثيرًا في تفاصيلها ما جرى على مسلم بن عقيل، وبدأ زيد حركته بنداء (يا منصور، أمت)، وهو نداء أهل بدر. واستطاع أن يجمع نحو مئتين وثمانية عشر رجلاً فقط، وقاتل بهم، لكن كثرة العدو جعلت القتل في صفوفهم لا يُؤثر كثيرًا. واستمر القتال ثلاثة أيام في الكوفة: الأربعاء، والخميس، والجمعة.

وأُصيب زيد بسهم في جبهته، فأخذه أصحابه إلى أحد بيوت الكوفة، وجاؤوا إليه بطبيب، فقال له: إن انتزعتَ هذا السهم تموت. فقال له زيد: افعل. فلما انتزع السهم، مات شهيدًا سعيدًا.

وفي اليوم التالي، أخذه بعض أصحابه، وكان ابنه يحيى معهم، فدفنوه في موضع قرب ساقية، في مكان غير معروف، وأجروا الماء عليه ليُخفوا موضع قبره، لأنهم كانوا يعلمون أن السلطة الأموية لو عرفت مكانه، لانتهكت حرمة جسده.

لكن أحد الغلمان، لعله غلام لزيد أو من غلمان أصحابه، وشى بأمر زيد وبمكان دفنه عند والي الكوفة، فاستُخرج الجسد، وقُطعت رأسه، ثم صُلب في كناسة بني أسد، وظل مصلوبًا مدة طويلة، حتى أنرل من الصلب وأُحرقت جثته، وذُرَّ رمادها في نهر الفرات. وكان ذلك في أول صفر سنة 121 هـ وقيل 122 هـ. ولهذا، يُقال إن القبر الموجود الآن في العراق قد يكون مقامًا رمزيًا أو لرأسه فقط، أما جسده فقد أُحرق وذُرَّ رماده في الفرات.

وهذه الشناعة التي صُنعت بجسده إنما كانت لأنه طالب بثأر جده الحسين عليه السلام، ومضى في طريقه، وكان قيامه مرضيًا عند الإمام الصادق عليه السلام، فجرت عليه نفس المظلومية التي جرت على جده الحسين عليه السلام.​



IMG_9556.jpg


IMG_9559.jpg


IMG_9562.jpg


IMG_9563.jpg


IMG_9565.jpg


IMG_9568.jpg


IMG_9570.jpg





متابعة القراءة...
 
عودة
أعلى أسفل