ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام 1447هـ | السيد إبراهيم المحافظة

SH3A3-Q

ابو الميرزا
طاقم الإدارة
إنضم
14 نوفمبر 2007
المشاركات
48,670
النقاط
113
العمر
49
الإقامة
QATIF-القطيف
عنوان المحاضرة: الإمام السجاد عليه السلام أعظم شهود العيان لواقعة كربلاء
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام 1447هـ
الخطيب: السيد إبراهيم المحافظة
التاريخ: 25 محرم 1447هـ
الموافق: الإثنين 21 يوليو 2025م

(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) آية 32 – سورة التوبة

الإمام علي بن الحسين بن علي عليه وعلى آبائه السلام، هو الإمام الرابع من أئمة أهل البيت، المولود في السنة الثامنة والثلاثين للهجرة، والذي قام بأمر وشئون الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء سنة 61 هـ، واستمرت إمامته الشريفة ما يقرب من خمسٍ وثلاثين سنة، حتى سنة 95 هـ، وكان عمره الشريف حين استُشهد 57 سنة تقريبًا.

وقد شهد خلال فترة إمامته أحداثًا مفصلية ومهمة في تاريخ الأمة الإسلامية، وأعظمها بلا ريب، واقعة كربلاءو ثم عاصر عليه السلام حادثة ضرب الكعبة بالمنجنيق، وعاصر استباحة المدينة على يد بني أمية، كما عاصر عليه السلام الكثير من الثورات والحركات مثل ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صُرَد، وثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي، وغيرها من الحركات والثورات التي اشتعلت في تلك المرحلة الحرجة.

حديثنا سيكون بعنوان: “الإمام السجاد عليه السلام أعظم شهود العيان لواقعة كربلاء”.

والغرض من هذا الطرح هو إزالة التصور الخاطئ الذي قد يظنه البعض بأن تفاصيل واقعة كربلاء لم تصل إلينا إلا عن طريق أعداء أهل البيت، ممن كانوا في معسكر بني أمية.

صحيح، هم من شهود العيان في ذلك المعسكر، شهدوا الحادثة، ونقلوا الكثير من أحداثها، بعضهم زاد فيها، وبعضهم أنقص، أمثال عمر بن سعد، حرملة بن كاهل، شمر بن ذي الجوشن، حميد بن مسلم، وهلال بن نافع.

ويقع هنا خلط أحيانًا بين “نافع بن هلال” و”هلال بن نافع”، فالأول (نافع بن هلال) كان من أنصار الإمام الحسين وشهداء كربلاء، أما الثاني (هلال بن نافع) فمن أصحاب عمر بن سعد.

وهلال بن نافع هو من نقل الخبر المعروف بقوله: إني كنت واقفا مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ أبشر أيها الأمير فهذا شمر قتل الحسين عليه السلام قال فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وإنه ليجود بنفسه فوالله ما رأيت قط قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله.

ولكننا نؤكد أن في معسكر الإمام الحسين عليه السلام أيضًا كان هناك شهود عيان، حضروا الواقعة، ونجوا من القتل، ونقلوا أحداثها.

ومن هنا، نطرق هذا الباب بذكر شهود العيان من معسكر الإمام الحسين عليه السلام، ثم نخصص الحديث على أعظم هؤلاء الشهود، مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام، وهذا أيضًا يجيب عن سؤالٍ يُكرّر كثيرًا:

من الذي نقل إلينا وروى واقعة كربلاء؟

نقول: بعض أحداث كربلاء نقلها أعداء أهل البيت، وبعضها نقلها مَن كان في معسكر الإمام الحسين عليه السلام، وهم من شهود العيان.

ويمكن تقسيم مِن مَن كان في معسكر الإمام الحسين عليه السلام إلى قسمين:

القسم الأول: شهود العيان من بني هاشم:

  1. الإمام زين العابدين عليه السلام: هو محور هذا الحديث، أعظم شهود كربلاء، حضر الواقعة كاملة، ونقل تفاصيلها رغم الظروف الأمنية.​
  2. الإمام الباقر عليه السلام: كان عمره وقعت حادثة كربلاء ثلاث أو أربع سنوات، وشهد الواقعة منذ انطلاق الركب الحسيني من المدينة حتى عودته، وروى لاحقًا الكثير من أخبارها وتفاصيلها.​
  3. السيدة زينب عليها السلام: لا يمكن الحديث عن كربلاء وحركة الإمام الحسين عليه السلام دون التوقف عندها، إذ كانت من أعظم الشهود، وقد خطبت بعد الواقعة، وأقامت المجالس التي كان لها أثر كبير في نشر القضية الحسينية وتفاصيل واقعة كربلاء، ورغم أنها توفيت بعد سنة أو سنة ونصف بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام إلا أنها استثمرت هذه المدة، حتى اضطُر بنو أمية إلى إخراجها من المدينة بسبب تأثيرها الكبير.​
  4. الحسن المثنّى: ابن الإمام الحسن عليه السلام، تزوج من ابنة عمه فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام، وشارك في القتال بكربلاء إلى أن أصيب بجراحات بالغة، ثم أُسر بعد إصابته، وينقل الشيخ المفيد في كتابه الإشاد أن أحد أخواله يقال له أسماء بن خارجة قد توسط له عند عمر بن سعد لإطلاق سراحه، فعاد لاحقًا إلى المدينة وروى الكثير من أخبار كربلاء.
    وكان الحسن بن الحسن حضر مع عمه الحسين بن علي عليهما السلام الطف، فلما قتل الحسين وأسر الباقون من أهله، جاءه أسماء بن خارجة فانتزعه من بين الأسرى وقال: والله لا يوصل إلى ابن خولة أبدا، فقال عمر بن سعد: دعوا لأبي حسان ابن أخته. ويقال إنه أسر وكان به جراح قد أشفى منها.

    كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، الجزء 2 صفحة 25
  5. فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام: زوجة الحسن المثنى، حضرت الواقعة، وكانت فاضلة ناسكة، ذات علم وبلاغة، وقد ألقت خطبة قوية بعد خطبة زينب في مجلس عبيد الله بن زياد، وتسلّمت من والدها وصية وأمانة ليلة عاشوراء، روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (… ثم إن حسينا حضره الذي حضره فدعا ابنته الكبرى فاطمة -بنت الحسين عليه السلام- فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة و كان علي بن الحسين عليه السلام مبطونا لا يرون إلا أنه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا).
    أمّا بعدُ يا أهل الكوفة! يا أهل المَكْرِ والغَدر والخُيَلاء، فإنّا أهلُ بيتٍ ابتلانا اللهُ بكم وابتلاكم بنا، فجعَلَ بلاءنا حَسَناً، وجعَلَ عِلمَه عندنا وفَهمَه لدينا، فنحن عَيْبَةُ عِلْمِه، ووعاءُ فهمه وحكمته، وحجّتُه على الأرض في بلاده لعباده، أكرَمَنا الله بكرامته، وفَضَّلَنا بنبيّه محمّدٍ صلّى الله عليه وآله على كثيرٍ ممّن خلَقَ تفضيلاً بيّناً، فكذّبتمونا وكفّرتمونا، ورأيتم قِتالَنا حلالاً، وأموالَنا نَهْباً، كأنّنا أولادُ تُركٍ وكابُل كما قتلتُم جَدَّنا بالأمس، وسيوفُكم تَقطرُ مِن دمائنا أهلَ البيت؛ لحقدٍ متقدّم! قَرَّت لذلك عيونُكم، وفَرِحتْ قلوبكم، افتراءً على الله ومكراً مكرتُم، واللهُ خيرُ الماكرين.

    من خطبة فاطمة بنت الحسين عليها السلام
  6. فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: زوجة الإمام زين العابدين عليه السلام، وأم الإمام الباقر عليه السلام. وفي شأنها يقول عنها الإمام الصادق عليه السلام: “كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها”.​

هذه بعض النماذج من شهود العيان وهناك أسماء أخرى كثيرة مِن مَن بقي من بني هاشم وروى أحداث كربلاء.

القسم الثاني: شهود العيان من غير بني هاشم:

  1. غلام عبد الرحمن الأنصاري: شهد كربلاء ولم يشارك في القتال، بل أُسر بعد الواقعة، وكان هو من نقل حوار برير مع عبد الرحمن الأنصاري في صبيحة عاشوراء، جاء في الرواية: عن أبي صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري قال: كنت مع مولاي فلما حضر الناس وأقبلوا إلى الحسين أمر الحسين بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صفحة، قال: ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة، قال: ومولاي عبد الرحمن بن عبد ربه وبرير بن خضير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبهما، فازدحما أيهما يطلي على أثره فجعل برير يهازل عبد الرحمن!، قال: فلما فرغ الحسين دخلنا فأطلينا، فقال له عبد الرحمن: دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل! فقال له برير: والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شابًا ولا كهلًا، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لاقون، والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم!​
  2. الضحّاك المشرقي: قاتل مع الإمام الحسين عليه السلام حتى قبيل استشهاده، ثم استأذن الإمام وانصرف حسب اتفاق كان بينهم قبل المعركة، إذ روي أنه بعد أن قُتل أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، قال الضحاك للإمام عليه السلام: “كنتُ رافقتك على أن أقاتل معك ما وجدت مقاتِلًا، فأذن لي في الانصراف فإني لا أقدر على الدفع عنك ولا عن نفسي”، فأذن له الحسين فانصرف، وقد نُقل عنه أنه دافع عن الإمام ضد الأكاذيب لاحقًا، ويُحتمل أن الإمام أذن له بالبقاء لحكمة، كأن يكون شاهدًا وراوي لأحداث كربلاء.​
  3. عقبة بن سمعان: غلام للرباب زوج الإمام الحسين عليه السلام، رافق الإمام من المدينة إلى كربلاء، وكان يسمع كل خطاب وكل كلمة، ونجا من القتل ووقع في الأسر، ومن ثم ترك، ونقل تفاصيل كثيرة عن الواقعة، يقول عقبة بن سمعان: صَحِبتُ حسيناً ، فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق، ولم أفارقه حتى قُتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها ، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس، وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة، حتى ننظر ما يصير أمر الناس.​

الإمام زين العابدين عليه السلام أعظم الشهود:

نختم الحديث بالعودة إلى الإمام زين العابدين عليه السلام، الذي نقل لنا الواقعة كاملة من خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى عودة الركب مرة أخرى للمدينة على الرغم من الظروف الأمنية التي فرضت على الإمام السجاد عليه السلام وأهل بيت النبوة.

من أهم الروايات المنقولة عنه ما ورد في كتاب الأمالي للشيخ الصدوق، في المجلس الثلاثين، حيث يروي الإمام الصادق عن الباقر عن زين العابدين تفاصيل ما جرى منذ موت معاوية، وخروج الإمام الحسين من المدينة، مرورا بمكة، ثم الطريق إلى كربلاء، حتى الاستشهاد.​

وبهذا يتبين أنه لم يكن الأعداء فقط من نقلوا لنا الواقعة، بل كانت هناك كوكبة من الشهود الثقات، من أهل البيت وأتباعهم، ممن عاشوا كربلاء بكل تفاصيلها، ونقلوها للأمة، ليبقى نور الحسين عليه السلام خالدًا، رغم أنف الطغاة.

مقطع من المجلس الثلاثون

مجلس يوم السبت التاسع من المحرم، سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وهو مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، مروية عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام عن أبيه الإمام محمد الباقر، عن أبيه الإمام السجاد عليه السلام:

… برز من بعده علي بن الحسين الاصغر عليهما السلام، فلما برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال: اللهم كن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم ابن رسولك، وأشبه الناس وجها وسمتا به.

فجعل يرتجز وهو يقول:​

أنا علي بن الحسين بن علي
نحن وبيت الله أولى بالنبي
أما ترون كيف أحمي عن أبي​

فقتل منهم عشرة، ثم رجع إلى أبيه، فقال: يا أبه العطش.
فقال الحسين عليه السلام: صبرا يا بني، يسقيك جدك بالكأس الاوفى.

فرجع فقاتل حتى قتل منهم أربعة وأربعين رجلا، ثم قتل.

وبرز من بعده القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وهو يقول:​

لا تجزعي نفسي فكل فان
اليوم تلقين ذرى الجنان​

فقتل منهم ثلاثة، ثم رمي عن فرسه رضوان الله عليه وصلواته. ونظر الحسين عليه السلام يمينا وشمالا ولا يرى أحدا، فرفع رأسه إلى السماء، فقال: اللهم إنك ترى ما يصنع بولد نبيك.

وحال بنو كلاب بينه وبين الماء، ورمي بسهم فوقع في نحره، وخر عن فرسه، فأخذ السهم فرمى به، وجعل يتلقى الدم بكفه، فلما امتلات لطخ بها رأسه ولحيته وهو يقول: ألقى الله عز وجل وأنا مظلوم متلطخ بدمي…​



IMG_9522.jpg


IMG_9533.jpg


IMG_9531.jpg


IMG_9528-1.jpg


IMG_9523-1.jpg


متابعة القراءة...
 
عودة
أعلى أسفل