عنوان المحاضرة: إمامنا الحسن صلوات الله وسلامه عليه الرجل المسالم الشجاع
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام الحسن عليه السلام 1447هـ
الخطيب: الملا حسن الصالح
التاريخ: 7 صفر 1447هـ
الموافق: الجمعة 1 أغسطس 2025م
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا”.
من أكثر الأئمة مظلومية هو إمامنا الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه، أُسيء إليه في كثير من المواقف، ومن بين أشد الإساءات الموجهة إليه من قبل المستشرقين وغيرهم، أنهم يصورونه عليه السلام ميالًا للراحة والدِعة، لا يحب المنازلة ولا القتال.
نحن نعتقد أن صلحه مع معاوية كان لمصلحة، أما هم فيزعمون أنه صالح بسبب ميوله للراحة والدِعة والسكون والطمأنينة، ولا يحب القتال.
انطلاقًا من هذه الإساءة، سيكون حديثي في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: تعريف الشجاعة:
إذًا، خلاصة تعريف الشجاعة عند اللغويين والأخلاقيين: الإقدام وعدم الإحجام، والبأس والشدة، خاصة في مواجهة المخاوف.
لكن إذا أردنا أن نأخذ المفهوم الدقيق للشجاعة، لا نكتفي باللغويين أو الأخلاقيين، بل لا بد أن نرجع إلى أهل البيت عليهم السلام، فهم يبلورون المفاهيم ويعطونها أبعادًا واسعة.
خلاصة مفهوم الشجاعة عند أهل البيت عليهم السلام:
الشجاعة هي صفة نفسانية تدفع الإنسان إلى مجاهدة نفسه، سواء في ميدان القتال، أو في التغلب على الشهوات والرغبات، أو في البذل والعطاء.
ومن هنا، فإن الإمام الحسن عليه السلام كان شجاعًا، لا فقط بالإقدام، بل حتى في الإحجام عندما اقتضت المصلحة.
وقد قال أحد علمائنا: بأن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لُقب بكريم أهل البيت لأنه ضحى بسمعته وشخصيته، لكي يحفظ دماء الأمة. وهذه من أصعب الأمور فيتهم بصفات ذميمة كالجبن والتراجع، وكما ضحى الإمام الحسين عليه السلام بعياله ونفسه، فإن الإمام الحسن عليه السلام ضحى بنفسه وإمامته وسمعته.
النقطة الثانية: هل الشجاعة صفة عقائدية لازمة للإمام المعصوم؟
نعم. فكما نعتقد أن الإمام المعصوم مفترض الطاعة، وهو حجة الله على خلقه، فلا بد لنا أن نعتقد أن يكون الإمام أكمل الناس، وصفة الشجاعة من صفات الكمال، فلو قيل إن الإمام ليس أشجع الناس، فهذا نقص لا يليق به، وفي عقيدتنا لا بد أن يكون الإمام أكمل الناس حتى نقتدي به، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: “من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربى، فليوالي عليًا من بعدي، وليوالي وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي”. فكيف نقتدي بمن فيه صفة ذميمة؟ فلا بد أن نعتقد أن الإمام لا يشوبه أي نقص. وقد ورد في الحديث عن الإمام الرضا عليه السلام بين صفات الإمام، فقال عليه السلام:
“للإمام علامات يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس وأعبد الناس، وأسخى الناس، ويولد مختونًا، ويكون مطهرًا، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه، رافعا صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه…”
ونجد هنا أن الصفات وردت في الحديث على وزن “أفعل” وهو وزن يستخدم في المقارنة والتفضيل، وبيان أعلى درجات الصفة (أعلم، أحكم، أتقى، أحلم، أشجع…).
إذًا، الشجاعة ركن من أركان الإمامة، فلا بد أن يكون الإمام الحسن عليه السلام أشجع الناس، كما هو أكمل الناس، وهنا نقول أن شجاعة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لا تختلف عن شجاعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وأخيه الحسين عليه السلام، فقد ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال: “نحن في العلم والشجاعة سواء، وفي العطايا على قدر ما نؤمر”.
النقطة الثالثة: هل يذكر التاريخ أن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام شجاع؟
نعم. نذكر ثلاث شواهد:
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام الحسن عليه السلام 1447هـ
الخطيب: الملا حسن الصالح
التاريخ: 7 صفر 1447هـ
الموافق: الجمعة 1 أغسطس 2025م
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا”.
من أكثر الأئمة مظلومية هو إمامنا الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه، أُسيء إليه في كثير من المواقف، ومن بين أشد الإساءات الموجهة إليه من قبل المستشرقين وغيرهم، أنهم يصورونه عليه السلام ميالًا للراحة والدِعة، لا يحب المنازلة ولا القتال.
نحن نعتقد أن صلحه مع معاوية كان لمصلحة، أما هم فيزعمون أنه صالح بسبب ميوله للراحة والدِعة والسكون والطمأنينة، ولا يحب القتال.
انطلاقًا من هذه الإساءة، سيكون حديثي في ثلاث نقاط:
- ما معنى الشجاعة؟ ما هو تعريفها؟
- هل لهذه الصفة أثر في العقيدة؟
- ما هو رأي التاريخ في شجاعة الإمام الحسن عليه السلام؟
النقطة الأولى: تعريف الشجاعة:
- عند اللغويين: تُعرف الشجاعة بأنها الشدة في البأس، الإنسان الذي يكون قويًا في مواجهة الصعاب يُعد شجاعًا.
- عند الأخلاقيون: تُعرف بإنها الإقدام في المهالك والمخاوف، وعدم الرهبة من الموت. أي إنسان يُقدم في موضع يتراجع فيه غيره، يسمى شجاعًا.
إذًا، خلاصة تعريف الشجاعة عند اللغويين والأخلاقيين: الإقدام وعدم الإحجام، والبأس والشدة، خاصة في مواجهة المخاوف.
لكن إذا أردنا أن نأخذ المفهوم الدقيق للشجاعة، لا نكتفي باللغويين أو الأخلاقيين، بل لا بد أن نرجع إلى أهل البيت عليهم السلام، فهم يبلورون المفاهيم ويعطونها أبعادًا واسعة.
- أقوال أهل البيت عليهم السلام في الشجاعة:
- الإمام الحسن عليه السلام:
قيل للإمام الحسن عليه السلام: ما الشجاعة؟
قال: “موافقة الأقران والصبر عند الطِعان”
أي لا بد للشجاع أن يكون حاسمًا في موقفه وصابرًا في القتال. - أمير المؤمنين عليه السلام:
- ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: “الشجاعة صبر ساعة”
وهذا الحديث يشابه قول اللغوين والأخلاقيين، وقول الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. - وقال عليه السلام: “أشجع الناس من غلب هواه”.
وهنا نجد أمير المؤمنين على السلام يعطي الشجاعة بعدًا آخر، فلا تقتصر الشجاعة على الإقدام على منارلة الأعداء والخصوم في المعارك، بل أن أعدى أعداء الإنسان هو نفسه، فمن يتغلب على أهوائه ونزواته وعلى ميوله وعلى الشيطان الرجيم، هو أشجع الناس. - وقال عليه السلام: “أشجع الناس أسخاهم”.
أي أن الشجاعة تكون في العطاء والبذل، سواء بالمال أو بالنفس.
خلاصة مفهوم الشجاعة عند أهل البيت عليهم السلام:
الشجاعة هي صفة نفسانية تدفع الإنسان إلى مجاهدة نفسه، سواء في ميدان القتال، أو في التغلب على الشهوات والرغبات، أو في البذل والعطاء.
ومن هنا، فإن الإمام الحسن عليه السلام كان شجاعًا، لا فقط بالإقدام، بل حتى في الإحجام عندما اقتضت المصلحة.
وقد قال أحد علمائنا: بأن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لُقب بكريم أهل البيت لأنه ضحى بسمعته وشخصيته، لكي يحفظ دماء الأمة. وهذه من أصعب الأمور فيتهم بصفات ذميمة كالجبن والتراجع، وكما ضحى الإمام الحسين عليه السلام بعياله ونفسه، فإن الإمام الحسن عليه السلام ضحى بنفسه وإمامته وسمعته.
النقطة الثانية: هل الشجاعة صفة عقائدية لازمة للإمام المعصوم؟
نعم. فكما نعتقد أن الإمام المعصوم مفترض الطاعة، وهو حجة الله على خلقه، فلا بد لنا أن نعتقد أن يكون الإمام أكمل الناس، وصفة الشجاعة من صفات الكمال، فلو قيل إن الإمام ليس أشجع الناس، فهذا نقص لا يليق به، وفي عقيدتنا لا بد أن يكون الإمام أكمل الناس حتى نقتدي به، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: “من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربى، فليوالي عليًا من بعدي، وليوالي وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي”. فكيف نقتدي بمن فيه صفة ذميمة؟ فلا بد أن نعتقد أن الإمام لا يشوبه أي نقص. وقد ورد في الحديث عن الإمام الرضا عليه السلام بين صفات الإمام، فقال عليه السلام:
“للإمام علامات يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس وأعبد الناس، وأسخى الناس، ويولد مختونًا، ويكون مطهرًا، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه، رافعا صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه…”
ونجد هنا أن الصفات وردت في الحديث على وزن “أفعل” وهو وزن يستخدم في المقارنة والتفضيل، وبيان أعلى درجات الصفة (أعلم، أحكم، أتقى، أحلم، أشجع…).
إذًا، الشجاعة ركن من أركان الإمامة، فلا بد أن يكون الإمام الحسن عليه السلام أشجع الناس، كما هو أكمل الناس، وهنا نقول أن شجاعة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لا تختلف عن شجاعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وأخيه الحسين عليه السلام، فقد ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال: “نحن في العلم والشجاعة سواء، وفي العطايا على قدر ما نؤمر”.
النقطة الثالثة: هل يذكر التاريخ أن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام شجاع؟
نعم. نذكر ثلاث شواهد:
- الشواهد القولية: ونعني هنا شجاعة الإمام المجتبى عليه السلام في حديثه، ونذكر هنا قوله بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، مخاطبًا الجيش الذي أعده أمير المؤمنين عليه السلام قبل استشهاده لقتال معاوية: “أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، وكنا لكم وكنتم لنا وقد صرتم اليوم علينا، ثم أصبحتم تعدون قتيلين، قتيلا بصفين تبكون عليهم، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثارهم، فأما الباكي فخاذل وأما الطالب فثائر، وأن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفه، فان أردتم الحياة قبلناه منه وأغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه، فنادى القوم بأجمعهم: بل البقية والحياة”، هذا يدل على أن الإمام المجتبى عليه السلام كان مستعدًا للموت والبذل في سبيل الله، لكن الناس هم من خذلوه.
- الشواهد الفعلية:
- في واقعة الجمل: يذكر المؤرخون أن أمير المؤمنين عليه السلام أرسل ولده محمد بن الحنفيه ومعه رمح ليحمل على الحشود المجتمعة على الجمل، وهو المعروف بأنه عالم فقيه وشجاع، وحينما فشل محمد بن الحنفية في الوصول إلى الجمل، انتزع الإمام الحسن الرمح، واندفع، ففرق القوم ومزق صفوفهم، حتى طعن الجمل، وما عاد الإمام المجتبى إلا والدماء على ذلك الرمح. فقال أمير المؤمنين لابنه محمد: “لا تأنف يا محمد، أنت ابن علي، وهذا ابن محمد”.
- في معركة صفين: كان هم الإمام المجتبى عليه السلام أن يدافع عن أمير المؤمنين، كما كان أمير المؤمنين يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد جاء في نهج البلاغة أن أمير المؤمنين قال في بعض أيام صفين وقد رأى الحسن عليه السلام يتشرع إلى الحرب: “املكوا عني هذا الغلام لا يهدني، فإنني أنفس بهذين على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وآله”. فقد كان الإمام الحسن عليه السلام يتسارع إلى الموت، وبموته عليه السلام ينقطع نسل رسول الله، وهذا شاهد على بطولته وشجاعته.
- الشواهد الخارجية “شهادة الخصوم”: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى عمرو بن العاص كِتاب وقد ذكر في آخره ثلاثة أبيات في الإمام الحسن عليه السلام، وهي كفيلة في شهادة معاوية على شجاعته عليه السلام، قال فيها:
أما حسنٌ فابن الذي كان قبله
إذا سار سار الموت حيث يسير
وهل يلد الرِِئبال إلا نظيره
وذا حسنٌ شبه له ونظير
ولكنه لو يوزن الحِلم والحِجا
بأمر لقالوا يذبُل وثبير
إذا سار سار الموت حيث يسير
وهل يلد الرِِئبال إلا نظيره
وذا حسنٌ شبه له ونظير
ولكنه لو يوزن الحِلم والحِجا
بأمر لقالوا يذبُل وثبير
الرِئبال: الأسد الضخم القوي، ويُطلق خصوصًا على الشجاع من الأسود، وهو من أسماء الأسد في اللغة العربية.
الحِجا: العقل والفهم والرأي الصائب، يُقال: “فلانٌ ذو حِجى” أي ذو عقل وحكمة.
يَذْبُل وثَبِير: جبلان ولكل واحد له مكانة وأهمية تاريخية ودينية:
ويعني أن الإمام الحسن عليه السلام في الشجاعة شبيه لأبيه علي بن أبي طالب عليه السلام، ولكن الحلم والحكمة اقتضيا منه الصلح.
الحِجا: العقل والفهم والرأي الصائب، يُقال: “فلانٌ ذو حِجى” أي ذو عقل وحكمة.
يَذْبُل وثَبِير: جبلان ولكل واحد له مكانة وأهمية تاريخية ودينية:
- يَذْبُل: هو جبل يقع في المدينة المنوّرة، يُذكَر أحيانًا في الشعر العربي، وكان يُعرَف عند العرب القدماء، لكنه أقل شهرة من ثبير.
- ثَبِير: جبل مشهور في مكة، ويقع شرق المسجد الحرام، كان من جبال المشاعر المقدسة، ويُشرف على منى، يُذكَر في الأدب والحديث
ويعني أن الإمام الحسن عليه السلام في الشجاعة شبيه لأبيه علي بن أبي طالب عليه السلام، ولكن الحلم والحكمة اقتضيا منه الصلح.




متابعة القراءة...