ذكرى استشهاد الإمام الرضا عليه السلام 1447هـ | السيد إبراهيم المحافظة

SH3A3-Q

ابو الميرزا
طاقم الإدارة
إنضم
14 نوفمبر 2007
المشاركات
48,670
النقاط
113
العمر
49
الإقامة
QATIF-القطيف
عنوان المحاضرة: وقفة مع ولاية العهد للإمام الرضا سلام الله عليه
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام الرضا عليه السلام 1447هـ
الخطيب: السيد إبراهيم المحافظة
التاريخ: 17 صفر 1447هـ
الموافق: الثلاثاء 12 أغسطس 2025م

بسم الله الرحمن الرحيم {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} آية 106 – سورة النحل

كما تعلمون أيها الإخوة، إن دولة بني العباس ذات رقعة جغرافية واسعة، تمتد شرقا من خراسان إلى بلاد الأندلس تقريبا. أي بحسب تقديراتنا اليوم، على نحو ثلاثين إلى خمسين دولة اجتمعت كلها في دولة واحدة تحت مسمى الدولة الإسلامية، دولة بني العباس. حتى أنهم يذكرون أن هارون العباسي في أحد الأيام مرت عليه بعض الغيوم، فقال: ” أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجك”.

اتساع هذه الدولة في ذلك الوقت يثير سؤالا: ما هي أهم بقعة جغرافية في هذه الدولة الشاسعة؟ يأتي الجواب: أرض الحجاز، وبالخصوص مكة والمدينة. فمن يسيطر على الرأي العام في مكة والمدينة، يكون كالأب الروحي للمسلمين، وله سلطة معنوية على المسلمين عموما.

من هنا التفت حكام بني العباس إلى هذه القضية، فقاموا بإبعاد أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم عن أرض المدينة وعن أرض الحجاز. وهذا الإبعاد لم يكن عشوائيًا، بل كان عملية تهجير وإخراج للإمام المعصوم من وطن جده إلى عاصمة حكم بني العباس.

إذا تأملنا في الأئمة الذين عاصروا حكم بني العباس، نجد أنهم جميعا وُلدوا في مدينة جدهم صلى الله عليه وآله، لكنهم جميعا دُفنوا خارج أرض المدينة. وهذا الاستبعاد لم يكن عبثيا، بل كان مدروسا، فالخلفاء العباسيون كانوا يخرجون الإمام من أرض الحجاز ويأتون به إلى عاصمة الحكم.

فمثلا: الإمام الكاظم في بغداد لأن العاصمة كانت آنذاك في بغداد، الإمام الرضا في خراسان لأن العاصمة كانت حينها هناك، الإمام الجواد في بغداد لأن العاصمة عادت إليها، والإمامان الهادي والعسكري في سامراء لأن المعتصم العباسي نقل العاصمة إليها بعد شهادة الإمام الجواد، وتقع سامراء على بعد 130 كم شمال بغداد.

الأسباب التي دفعت بني العباس لاستبعاد الأئمة كانت تختلف من حاكم لآخر، ومن إمام لآخر، تتعدد العناوين لكن الهدف واحدا. سواء أكان بعنوان السجن، أو ولاية العهد، أو غيرها، فالنتيجة واحدة وهي إخراج الإمام من المدينة.

هذه الاستبعادات كانت في معظمها على صورتين:​

  1. الصورة المشرقة: صورة ظاهرها جميل لكنها غير حقيقية، وفيها تضليل للرأي العام.​
  2. الصورة الحقيقية: وهي صورة مظلمة حقيقتها إبعاد وتهجير أئمة أهل البيت عليهم السلام.​

مثلا، في قضية الإمام الرضا سلام الله عليه:​

  • الصورة الأولى التي أراد المأمون العباسي أن يظهرها هي أن يُقال إن الإمام هو ابن عمنا وحبيبنا ونريد أن نكرمه ونعظمه ونعزه ونقربه ونجعله وليا للعهد، وهي صورة مشرقة لكنها مضللة للرأي العام.​
  • الصورة الثانية وهي الصورة الحقيقية وهي أن أخرجه عليه السلام من المدينة قسرًا وبالقوة، وتعمد ألا يمر في طريقه على المدن الشيعية أو المدن التي يكثر فيها أتباع الإمام، حتى لا يثير ذلك الناس ضد العباسيين.​

الأسباب التي دفعت المأمون لإخراج الإمام الرضا كثيرة، منها:

  1. إبعاده عن أهم منطقة جغرافية في الدولة الإسلامية، إذ كان وجوده عليه السلام هناك يشكل خطرا على العباسيين.​
  2. إبعاده وعزله عن قواعده الشعبية ومنع أتباعه من الوصول إليه.​
  3. منعه من الالتقاء بعامة المسلمين الذين يتوافدون على مكة والمدينة طوال العام.​
  4. وضعه تحت المراقبة المباشرة في عاصمة الحكم، بحيث تُحسب عليه كل حركة وسكنة.​
  5. محاولة إخماد الحركات الثورية الكثيرة التي كانت تقوم ضد العباسيين، خاصة من أحفاد الإمام الحسن عليه السلام، وبعض أحفاد الإمام الحسين عليه السلام، وأيضا من أبناء الإمام الصادق عليه السلام.​

لهذه الأسباب، وأسباب أخرى أصر المأمون على ولاية العهد، وأخذ الإمام قسرًا دون اختيار. ويذكر بعض المحققين أن هذا كان في حقيقته عملية اعتقال للإمام عليه السلام.

عندما أُحضر الإمام إلى خراسان، هدد المأمون الإمام قائلا: “إنك تتلقاني أبدا بما أكرهه، وقد آمنت سطوتي، فبالله أقسم: لئن قبلت ولاية العهد. وإلا أجبرتك على ذلك، فإن فعلت، وإلا ضربت عنقك”. الإمام قبل مكرها، لكنه اشترط ألا يكون له أي دور في الحكم، فأجابه عليه اليلام”قد نهاني الله عز وجل ان القى بيدي إلى التهلكة فإن كان الامر على هذا فافعل ما بدا لك وانا أقبل ذلك على أن لا أولى أحدا ولا أعزل أحدا ولا انقض رسما ولا سنة وأكون في الامر بعيدا مشيرا فرضى منه بذلك وجعله ولى عهده على كراهة منه لذلك”.

وفي مرة قال المأمون للإمام الرضا عليه السلام: فاني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك وأبايعك.

فقال له الرضا عليه السلام: إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك فلا يجوز أن تخلع لباسًا ألبسكه الله وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك.

وكان الإمام الإمام الرضا يقول في هذا الشأن: “أني ما دخلت في هذا الامر إلا دخول خارج منه”، أي دخول صوري بلا مشاركة حقيقية. وعندما سأله محمد بن عرفة: ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟ فقال: ما حمل جدي أمير المؤمنين عليه السلام على الدخول في الشورى؟!

ورغم كل هذا، بقي العباسيون يحاولون تحجيم الإمام، فلما لم ينجحوا، لجأ المأمون إلى التخطيط لتصفيته جسديا.​

قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} آية 32 – سورة التوبة



IMG_9884.jpg


IMG_9889.jpg


IMG_9880.jpg


متابعة القراءة...
 
عودة
أعلى أسفل